علم الحساب

الرياضيات ضرورية في العمل والاستخدام اليومي، وجوهرية بوجه خاص في أنظمة العد. الكل يعرف اليوم نظام عد واحداً، هو ذاك الذي يبدأ بالصفر ويستمر إلى البلايين والترليونات، البلدان الإسلامية فقد كانت تستخدم في القرن العاشر ثلاثة أنماط من الحساب هي: النظام الأصبعي، والنظام الستيني، والنظام العشري، و فيها هذا النظام. كان أبو الوفاء خبيراً في الأعداد العربية ولكنه قال: «...إنها لم تطبق في دوائر الأعمال ولا عند سكان الخلافة الشرقية مدة طويلة من الزمن». أما النظام الستيني فكان يستخدم أعداداً يدل عليها بالأبجدية العربية، وجاءت أساساً من البابليين، واستخدمها علماء الرياضيات العرب في العمل الفلكي. وتطور حساب الأعداد العربية مع ظهور النظام العشري؛ إذ وائم المسلمون الأرقام الهندية من 1 إلى 9، وطوروها إلى الأرقام الحديثة التي تُستخدم اليوم في الغرب، وهي تتميز بأنها بُنيت على عدد الزوايا التي يحملها كل رقم، ولكن الرقم سبعة 7 يخالف القاعدة لأن الشارحة التي تقطع الخط العمودي من الوسط يرجع تطورها إلى القرن التاسع عشر. ولقد أصبحت تستخدم هذه الأعداد اليوم في أوروبا وشمال أفريقيا تمييزاً لها عن الأعداد الهندية التي ما زالت تستخدم في بعض البلدان الشرقية من العالم الإسلامي. في العدد 1 مثلاً زاوية واحدة، وفي العدد 2 زاويتان، وفي العدد 3 ثلاث زوايا، وبوصول هذه الأعداد إلى أوروبا انتهت المشكلات التي كانت تواجهها الأعداد اللاتينية المستخدمة حينذاك. وكان يشار إلى الأعداد العربية بالأعداد الغبارية (ghubari) لأن المسلمين كانوا يستخدمون الألواح الغبارية في حسابهم بدلاً من المعداد.

تعود الأعمال الأولى التي كُتبت بالعربية في علم الحساب إلى محمد بن موسى الخوارزمي في القرن التاسع للميلاد، وهي عبارة عن رسالتين صغيرتين: الرسالة الأولى لم تصل إلينا إلا عبر ترجمتها اللاتينية، أما الثانية وعنوانها «الجمع والتفريق» فمشار إليها في المراجع العربية، وقد ورد ذكرها في أحد الأعمال العربية في الحساب. وأولى الكتابات العربية في علم الحساب والتي وصلتنا سليمة هي من أعمال أحمد بن إبراهيم الإقليدسي من القرن العاشر للميلاد. في هذا العمل يناقش المؤلف نظاماً هندياً للحسابات، كما يرجع إلى نظامين آخرين: النظام الأصبعي والنظام الستيني. إن هذه النظم الثلاثة، إضافة إلى عِلم الحساب اليوناني - الذي يحتوي في الواقع بدايات نظرية الأعداد - شكّلت العناصر الأساسية لعِلم الحساب، وأفسحت المجال لامتزاجات وتطورات لاحقة.


النظام الأصبعي

كان يقوم به المحتسب بواسطة طي أصابع يديه في وضعيات مختلفة تسمح بتمثيل الأعداد من 1 إلى 9999، وهذه الوضعيات المختلفة موجودة في «حساب» الإقليدسي. تسمى هذه الوضعيات «العقود» (نسبة إلى عقد الأصبع)، وامتداداً، سُمِّي هذا النظام «حساب العقود».


النظام الستيني

يشار إلى هذا النظام في الأعمال العربية على أنه النظام الحسابي لعلماء الفلك، الذي يحوي القِسم الأكبر من العمليات الحسابية في النظام الستيني. وهذا النظام ينحدر من قدماء البابليين، وقد وصل إلى العالم الإسلامي عبر أقنية سريانية وفارسية. وليس لدينا أعمال سابقة مكرسة لهذا النظام، لكننا نجده حاضراً في كل الأعمال الحسابية ممزوجاً مع أحد، أو مع كلا النظامين، العشري أو الأصبعي، أما في الأعمال اللاحقة فلا يوجد إلا في مظهره الحسابي البحت ومن دون ما يشير إلى تطوراته العربية. ويعتبره الاختصاصيون حالياً أكثر ملاءمة من النظام العشري فيما يتعلق بالحسابات الفلكية في العصور الوسطى، ولكنه الآن أضحى خارج التداول عامة إلا فيما خص أجزاء الساعة أو درجات الزوايا.


النظام العشري

استخدم المسلمون النظام العشري المكون من عشرة أرقام أساسية.

يدين المسلمون لنظام الحساب الهندي بالكثير فيما يخص التمثيل الكتابي العادي للأعداد، ويبدو أنه سابقٌ للقرن التاسع وهو القرن الذي كتب فيه الخوارزمي؛ ففي القرن السابع للميلاد، وفي دير كِنشر على الفرات، عاش أسقف عالم اسمه «سفيروس سبوخت»، وقد كتب هذا الأسقف في مواضيع عدة، وفي بعض المقاطع من كتاباته التي وصلتنا والمؤرخة في العام 662م، يُعبِّر عن إعجابه بالهندوس مقارنة مع الإغريق على الشكل التالي:


استخدم المسلمون النظام العشري المكون من عشرة أرقام أساسية.

«لن أتحدث عن علم الهندوس... عن اكتشافاتهم الحذقة،... الاكتشافات الأكثر براعة من تلك العائدة للإغريق أو للبابليين؛ عن طرقهم الحسابية القيّمة وعن برامجهم الحسابية التي تفوق كل تصور. لكني أشير فقط إلى أن هذه الحسابات تجري فقط بواسطة تسعة رموز.»

يتميز هذا النظام بقدرته على تمثيل أي عدد، مهما كان كبيراً بواسطة أرقام تسعة إضافة إلى الصفر، في السُلم العشري الذي كان يُستخدم في الحياة اليومية. ويتم هذا التمثيل بفضل الفكرة التي نسبت قيمة لكل منزلة من منازل الرقم: فالرقم 1 يساوي الواحد عند وضعه في منزلة الآحاد، ويساوي عشرة عند وجوده في منزلة العشرات، ومائة عند وضعه في منزلة المئات... وهكذا دواليك. سمح هذا النظام بالقيام بالحسابات بشكل أسهل، وكان اليونانيون قد طوروا علم الهندسة بشكل يثير الإعجاب، إلا أن الرياضيات كانت بحاجة إلى أدوات جديدة من أجل دفعها إلى الأمام: إلى الجبر وإلى وسائل احتساب متطورة، وهنا كان إسهام المسلمين بفضل إدخال الحساب الهندي.


تطوير علم الحساب

يتميز هذا النظام بقدرته على تمثيل أي عدد، مهما كان كبيراً بواسطة أرقام تسعة إضافة إلى الصفر، في السُلم العشري . ويتم هذا التمثيل بفضل الفكرة التي نسبت قيمة لكل منزلة من منازل الرقم: فالرقم 1 يساوي الواحد عند وضعه في منزلة الآحاد، ويساوي عشرة عند وجوده في منزلة العشرات، ومائة عند وضعه في منزلة المئات... وهكذا . 



لوحة هاتف تُظهر الأرقام الهندية-العربية التي كانت تُستخدم في البلاد الإسلامية الشرقية، والأرقام العربية التي كانت تستخدم في البلاد الإسلامية الغربية، ومنها انتقلت إلى أوروبا


إن أول الإنجازات الإسلامية تتمثل في تطوير النظام الحسابي العشري، ويُشير مؤلَّف الإقليدسي جزئياً إلى أولى المحاولات التي بُذلت في هذا المجال: استبدال اللوحة الحسابية (الغبارية) بالورق والحبر مما يسمح بحفظ مختلف مراحل العملية الحسابية وذلك للتمكن من مراجعتها. وقد يبدو لنا هذا التطور سهلاً، ولكنه لم يكن كذلك في الواقع؛ فقد لعب البطء في الاتصالات بين البشر كما لعبت العقليات المحافظة لدى من تأصَّل لديهم استخدام لوحات الغبار، دوراً أساسياً في تأخير هذا التبدل أجيالاً بأكملها. ولقد بدأ هذا التبدل، حسب الإقليدسي، في دمشق في القرن العاشر، من دون أن يكون معروفاً في بغداد. وفي القرن الثالث عشر نجد تلميحات إلى استعمال اللوحة الغبارية في كتابات ابن البناء المراكشي (1256-1321م). وبابتعاد قليل شرقاً، إلى مراغة نجد الرياضي نصير الدين الطوسي المتوفى عام 1274م، يُكرِّس مؤلفاً بأكمله حول استعمال اللوحات الغبارية.[ ومن قبله بنصف قرن تقريباً، قام سلفه شرف الدين الطوسي بمجهود كبير لحل معادلات الدرجة الثالثة بواسطة حساب اللوحات الغبارية. لكن نظام اللوحات هذا انتهى إلى الزوال، ولم يبق من هذا النظام سوى العمليات الحسابية التي تُدرَّس في المدارس، التي لم يطوها النسيان بعد، على الرغم من استعمال الحاسبات الإلكترونية. إن أهمية تحرير النظام الحسابي الهندي من اللوحات الغبارية لا تقل عن أهمية تفضيل المسلمين هذا النظام وتبنيهم له على حساب النظام الأصبعي، الذي استمر طويلاً عبر المفهوم العربي للكسور.

ومن التعديلات العظيمة التي أدخلها علماء الرياضيات المسلمون على النظام الهندي التعريفُ والتطبيق الواسعان للصفر؛ إذ أعطوه خاصية رياضية تنص على أنه إذا ضرب بأي عدد آخر كانت النتيجة صفراً. وكان يُحدد له في السابق فراغ أو "لا شيء"، واستخدموه كذلك لتطبيق النظام العشري، ومن ثم أصبح ممكناً معرفة ما إذا كانت كتابة 23 مثلاً تعني 230 أو 23 أو 2300.

قد حقق علماء الرياضيات المسلمون معظم التقدم الذي حصل في الأساليب العددية بفضل هذا النظام من الحساب بالأعداد العربية؛ فتمكن بعضهم كأبي الوفاء وعمر الخيام من استخراج الجذور. إن اكتشاف الكرجي لنظرية "ذات الحدين للأسس الصحيحة" كان عاملاً كبيراً في تطور التحليل العددي القائم على النظام العشري.

تعليقات